الإهداء:
إلى صاحبي الذي أفل!
كان الأجدى لك أن تموت قبل هذا العذاب الذي قتلك قتلةً لا تليق بمن هو مثلك، ولكنها حكمة الله، إلى جنات الخلد بإذن الله بلا حساب ولا عقاب!
إهداء آخر:
للصوت الميت الذي يجادل صداه بعبثية لا معنى لها!
الصوت:
شاعر على قيد الأمل، أربكه ظلّ
وكان يتوجس من خيانة خياله
يخاف لا يفضح جنونه إذا طلّ
يخاف شيٍ يمنعه عن كماله
كان بمفازة صمته، العمر، ما مل
يكتب، يشخبط، يرتحل في سؤاله:
يسأل: متى “حياتي” أنا تحِلّ؟
ويضحك على نفسه بتمثيل داله
كان ينتظرها، بس، لو أنها تهلّ
أحلام عمره، فرحته، احتفاله!
الصدى:
وشاعر
وش فقد؟
ما فقد غير ظلّه
ما فقد غير خلّه
ما فقد إلا حياته
وكل موته فـ أمنياته
وشي باقي ما أستحلّه
وشاعرٍ
غرته بيض النوايا
وأنطلق معها يصيح:
هاتوا “كلي” يا أهلّة!
وكل صوتٍ فيه ملّه
وينتظر صبره يطول
وصبره خانه ما استدلّه!
الصوت:
يعني إذا قالوا ترى هالقمر هل
خمسٍ مرّت وعشرة من لياله
قالوا نسيته، قلت لا لا بعد قِل:
من علّم النسيان يخون حاله؟
كان يتهجى صوته المر، يبخَلّ
بخيل خايف من تهجّي احتماله
فجأة سأل! لكن من صوته أختل
ليت المفازة تستعيد اختزاله
الصدى:
وأنت شاعر
ما ذبحك إلا الغياب
وأنت في صمتك تكابر
وأنت شاعر
ما فتتك إلا الصبر
وأنت كل العمر صابر
وأنت شاعر
ما خذلك إلا اللي تحب
وِسْجَنك في قلب عابر
الصوت:
تفرح، تبسّم لكن همومك تطل
رحّب بها وخل السؤال لمُحاله
يا ميتٍ ما فيك صاف الوله دل
غير الضياع وسكته وارتحاله
كانت عيونك ظل ما مثلها ظل
وصارت عيونك جمر فزّ اشتعاله
يالمنسكب دمعٍ وكل يوم ينهّلّ
دعاء يسافر فـ دمعته وانذهاله
يا ميّتٍ صلى وصلاته بها ضَلّ
ما ينفع الميت كثير ابتهاله!!
الصدى:
كنت أريدك يا انتمائي
وكنت أصيح بك:
أنت مائي
وأنا بذرتك الجميلة
دخيلك لا تخليني للعطش
ما وراي إلا موتي/ اشتهائي
ما وراي إلا فقدك/انتهائي
والله ضاقت بي السبل
والسراب اللي أسرني
حطّم قاصي كبريائي
وأنا من بعدك يا انتمائي
مات بي كل شي
من بداية دمع “ألفي”
حتى ابتهالات “يائي”!
يا انتمائي:
طالت دروب المدينة
والسكينة فارقت وجه السفينة
ما عدت لي أجمل وطن
من طحت من مركب دعائي!
الصوت:
مجنون، مخبولٍ، في حيرته ضل
ضيّع دروبه، عزّته.. واعتداله
طاحت أوجاعه وأنكسر بدمعته ذِل
ما كان واعي لكل شيٍ جرى له
بكى كما طفلٍ صغيرٍ مدللّ
طفلٍ بصبح العيد مضيّع رياله
شاعر، بس أغبى من الكل، والكل
شافوه، وعابوا به دروب الجهالة
الصدى:
وفيوم مرّته “الحياة”
وقالت بأعلمك كيف تلعب الشطرنج
وكن فيه شي داخله قال له: إنّج!
بس هو ما سمع
أو إنه ما انتبه
كان مليان بدمع
وكن قلبه اشتبه
اشتبه في عقله المسكين:
هو عاقل وإلا بعد مجنون
هو واعي وإلا بعد مفتون
وحتى الوجه اللي شافه
ما يذكر منه إلا عيون
وكانت كل مرة تقول
خلاص نحرك البيدق
ونهدم أسوار القلعة الحصينة
ونعيد سيرة ألف ليلة وليلة
ونذبح هالملك!
لكن قال الوزير:
نرجع للمربع الأول
نعيد اللعبة من الأول
أنا أخاف عليك يالبيدق المسكين
أخاف عليك يالساهم ببيتين
أخاف عليك تستعجل المشوار
وبعدين كل شي يتحوّل!
الصوت:
شاعر في ساحة خياله فرش زل
وسوى قهوته ثم نادى مُحاله
ثمٍّ تنبه للعبث وأنفجر غلّ
ولعن ضعفه، ووحدته، وانخذاله
حاول يضحك بس هالصدر معتِّلّ
صدره شمالي، بس خانه شماله
الصدى:
من قبل أعرفك
ما كنت أعرفني أنا
ومن بعد ما عرفتك
صرت أنكرني أنا
أكرهني أنا
وما يخوفني من أنا
إلا أنا!!
الصوت: صمت أخير!
كانت قلعة من حلم،
حلم والله ما اكتمل
كانت قلعة من حلم،
ومات في ليلة أمل!
قلعة بجدارٍ منثلم
خانه زمانه/ ما احتمل!
قلعة مبنية بألم
ودم عيّا “يندمل”!
الصدى:
يا ميّت لو تعرف الشطرنج
ما مت
يا بيدقٍ جداً غبي
بس تركض للأمام
ولا يدين لمحتك
تعيش في الأحلام
وفـ الصبح فضحتك!
وتغرق في الأوهام
وبصمت ذبحتك
ومن القلعة دمٍ يسيل
وفيل واقف مستجير
والملك جداً حزين
ملك بلا مملكة
بلا بيادق أو حرس
ولا أفيال ولا فرس
ساكت ويبيها تزين!
بس الوزير غير
والوزير جداً قاسي مختلف
دايم يرجع للمربع الأول
وفي يوم قال خلاص
المربع مات
وما في وقتٍ للرجوع
كانت الساعة عشر
وسبت يلعنه ألف سبت
وما حدٍ غيره يبّت
وسنين خمسة مع عشر
ما رحمت بيدق صغير
بيدقٍ خايف غرير
قالت له بكل هدوء:
كل شيٍ فات، فات
حياة حلوة صحيح
بس كانت “كش مات”!
ومن هذيك اللحظة “مات”!!