صندوق الحياة، وأسئلة أخرى!

هل الحياة عبارة عن صندوق؟

هل يُرضينا ما هو داخل الصندوق الذي يخصنا؟

أم أننا نرى صناديق الآخرين ونظن بأن ما فيها أجمل مما هو موجود لدينا؟

صناديقنا التي ضمّت أحلامنا، آمالنا، أفراحنا، أحزاننا، أوجاعنا، هزائمنا، خسائرنا، الأشياء التي فقدناها، الأشياء التي اعتقدنا بأننا افتقدناها، الأشياء التي وجدناها، الحياة التي تمنيناها، الأشياء التي فزنا بها، الأشياء التي توهمنا بأننا فزنا بها، الأشياء التي تتفالت من بين أيدينا دون أن نشعر بها، الأشياء، العلاقات التي تمسكنا بها أكثر مما ينبغي، العلاقات التي أهملناها، العلاقات التي خسرنا بسبب جهلنا، الحياة التي سُرقت فيها أعمارنا ونحن نلهث خلف ما ليس لنا، حيواتنا الذابلة، الهمهمات المستحيلة، القدَر الذي وقع، القدَر الذي نخافه، القدَر الذي نتمناه، الغياب، الضحكات المنسية، قصاصات الورق المكتوبة بقلم الرصاص، تلك التي مل الرصاص منها وهجرها بعد سنواتٍ طِوال ولم يترك سوى أثر أقدامه، الصمت الذي أفقدنا ما نُحب، الكلام الذي تحوّل إلى همهمات غير مفهومة قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ولا يخرج من بين الشفاه المضمومة سوى رفاته والذي تشكّل على هيئة زفرات حارة!

صناديقنا التي ما زالت تحتفظ بوجوه الآخرين المتروكة في الذاكرة، أرواحهم التي تحوم حولنا، نكاتهم، ضحكاتهم، مواقفهم، أحزانهم، بل وحتى مواقفهم الصعبة أو السيئة، لا مبالاتهم، غدرهم، خيانتهم، أو حتى هجرهم!

كل شيء، كل “لا شيء”، وكل ما يجعلك تشعر بأن التلاشي هو كمالك المستحيل الذي لا تصبو إليه! الأغاني القديمة، الأغاني التي شكلتنا ثم بعثرتنا وفتتنا قبل أن تُذرينا لرياح النسيان! نحن الذين فقدنا البوصلة، ففقدنا الاتجاه، ولم نعد كما كنا، أو لما كنا أو لما نتمنى!

أن تضل الطريق أو يهرب منك الطريق، ألا تصل لما تريد، أن تظن بأنك وصلت، ألا تمتلك اليقين فيما هو “دنيوي”، ألا تنتبه لشيء إلا عندما تدلف في غفلة منك إلى باب “الخمسين”. تشعر بأن ذلك الصندوق حدث له شيءٍ ما، فتسير قليلاً وأنت غافل عن كل شيء، حتى نفسك، سادراً في غيّك أو “متحوصلٍ” في نسيانك المتوهم الذي يحميك من كل شيء أو كما تظن أو تتمنى أو تتوهم ذلك! ذلك الباب الذي ينغلق خلفك بهدوءٍ قاتل وعندما يكمل انغلاقه يُصدر صوتاً حاداً يجعلك تعود لرشدك، تخرج من “شرنقة” النسيان مفجوعاً، تلتفت للخلف فتقرأ ما تظن بأنه قد كُتب على باطن الباب: “أهلاً بك في مفازة الخمسين”!

تشهق! تلتفت للفراغ الذي “أكل” العبارة السابقة، تبحث عن شيء، عن أي شيء يُكذّب ما ظننت بأنك قرأته فلا تجد سوى الفراغ! ذلك الفراغ الذي يُحيل المعنى إلى الـ”لا معنى”!

تنتبه! تنتبه أكثر بأنك سائر إلى نهايتك ولا يوجد معك أي شيء، فارغ من كل شيء حتى نفسك! لم تحمل بيدك أي شيء، حتى “خُفّيّ حنين” لم تنتبه لوجدهما قبل أن تدلف من ذلك الباب!

تعود أدراجك، تعود لأنك تظن بأن حياتك قد سقطت منك في لحظة سهو خلف الباب! تصل للباب فتتفاجأ بأن لا مقبض له، تلتفت بحثاً عنه فتتفاجأ أكثر، لقد اختفت حدود الباب! ذاب داخل الجدار كما ذابت الكثير من الأشياء في حياتك سابقاً دون أن تنبه!

تحاول أن تستوعب الموقف، أن تفكر فيما سقط منك خلف الباب الذي أختفى فجأة، تحاول أن تنتبه لما تبقى لديك أو تبقى فيك، أو تبقى منك! تشعر بشيء لا تعرف كنهه، تظن بأنك، ولكن تتراجع عما ظننته قبل أن تعبّر عنه! تحاول أن تعرف لكنك تتراجع في اللحظة الأخيرة، تتساءل هل هناك أي جدوى من تلك المعرفة؟ وفيما لو عرفت هل تستطيع تغيير ما لا تريد؟ هل تريد ما عرفت؟

ينبت السؤال داخلك في لحظتك الحرجة تلك: “هل أنت، أنت؟” سؤال قاتل، ولكنك تهرب من إجابته، تهرب لأنك تتيقن بعد فوات الأوان بأن المعرفة جحيم وبأن الجهل نعيم مقيم!

“القطار الخطأ، يمكن أن يأخذك إلى المكان الصحيح”، عبارة حالمة مرّت علي، وأجزم بأن الكثير منّا يتمنى مضمونها وإن لم يكن قد سمعها من قبل. الأمل الذي تُشيعه هذه العبارة

أتساءل، هل من الممكن أن نكون قد أخطأنا وجهاتنا لكي تكون الوجهة الخطأ هي الصحيحة؟

هل من الممكن أن يكون الخطأ هو “الصح”؟ أو أن الصح هو “الخطأ”؟

هل لم نكن نقرأ إشارات الطريق؟

هل لم نكن نهتم بمصداقية العناوين؟

هل لم نكن نعرف العناوين حقاً؟

هل نحن الذين ركبنا القطار؟

من الذي تغيّر؟ القطار، أم العنوان، أم نحن؟

الكاتب: عبدالعزيز الرويلي

عابراً في مفازة الكلام، أحدو خلف نياق المعنى في التيه! aazizrowiliy@gmail.com

أضف تعليق